توني موريسون
استحقت
الروائية الأميركية توني موريسون عن جدارة نيلها جائزة نوبل للآداب عام
1993 لكونها كاتبة روائية عظيمة الأهمية والشأن ودورها المركزي المحوري في
وضع الكتابة الروائية بقلم وحول النسوة الأميركيات الأفريقيات في مقدم
واجهة الأدب العالمي خلال نهايات القرن العشرين المنصرم. وفي حين أزال
ميراث العبودية التقليد الحكواتي الروائي الأفريقي وعمل النقد المقولب
المستنسخ في أوقات ما على تحاشي وإزدراء هذا الصنف من الكاتبات استطاع نتاج
موريسون الروائي أن يشكل أنموذجا ومثالاً لإعادة بناء ماضٍ ثقافي متين
ورفيع الشأن، لتنضم إلى رعيد قاطرة ما يسمى بالتقليد الأميركي العظيم
بتحقيق الذات أو ابتداعها ولقد كان لمثالها ولنتاجها الأهمية الكبرى في
تحقيق مسارات أخرى لكاتبات أخريات من لونها وعلى سبيل المثال الروائية توني
كابو بامبارا والكاتبة الأخرى غايل جونز.
ولدت الروائية توني موريسون في مقاطعة لورين من أعمال ولاية أوهايو في
العام 1931 حيث يقوم معظم أحداث رواياتها . تلقت علومها الثانوية في معهد
هيوارد ونالت شهادة الماسترز من جامعة كورنيل حيث تناولت في أطروحة الرسالة
التي قدمتها لنيل شهادة الماسترز من جامعة كورنيل موضوع الانتحار في
روايات الكاتبة البريطانية فرجينيا وولف والروائي الأميركي وليم فولكنر.
انخرطت موريسون بعد ذاك في مهنة التعليم ابتداء من العام 1955 ومارستها في
جامعة تكساس الجنوبية.
لتعود بعدها إلى ممارسة التعليم في معهد هوارد وكان من طلابها الناشط
السياسي مستقبلاً ستوكيلي كارمايكل والناقد المعروف بعد ذاك آي بايكر
جونيور. آنذاك تزوجت الى هارولد موريسون وهو مهندس معماري جامايكي وأثمر
زواجهما ولدين قبل أن ينتهي زواجهما في العام 1964 . كانت حينذاك قد بدأت
بالكتابة وحظيت بوظيفة في دار نشر معروفة هي " راندوم هاوس" واستقرت في
نيويورك سيتي حيث عملت الى العام 1983. وخلال تلك السنوات بالذات تابعت
نشاطها التعليمي حيث كانت تقدم محاضرات كأستادة زائرة في العديد من
المؤسسات التعليمية ومنها جامعة يال ومعهد بارد.
روايتها
الأولى " العينان الأشد زرقة" التي صدرت في العام 1970 عكست نضجا غير
معهود انطلاقًا من استخدامها بكل ثقة تنوع وتعدد الأصوات السردية الراوية.
طوال سيرتها المهنية ككاتبة سوف تكرس موريسون كل طاقتها لبناء هوية ثقافية
عملية لعرقها ولجنس ادبي جرى التعتيم على مخيلته الشخصية وصوره الذاتية
ومنعتها قوى مسيطرة . ولقد استطاعت في باكورتها الروائية " العينان الاشد
زرقة " استخدام استراتيجية سردية تقدمت كعنصر اساسي ومهم في التأليف
الروائي. ان ما يدفع عجلة الحدث او الفعل الروائي في هذا العمل الاول هو
حاجة فتاة الى ان تكون محبوبة معشوقة، وهو فعل تخللته ويرتبط بعلاقات غريبة
بعيدة وخارجة عن المألوف (ومنها اغتصاب من نوع سفاح القربى) تكشف رواية
موريسون هذه عجز العائلة عن أدراك اسلوب حياة او كينوننة يكون للحب فيها
القدرة عن النشوء والنمو وهذا ما يقود بالنتيجة الى المصير المأسوي المدمر
لبطلة رواية موريسون . الحب كذلك ممنوع ومصدود في روايتها الاخرى " سولا"
في 1974 حيث تتمدد العلاقات في اتجاهين، ما بين المعاصرين سولا وصديقها نيل
وبين الاجيال السابقة.
في
روايتها الأخرى الشهيرة " أغنية سولومون" الصادرة في 1977 سعت موريسون إلى
خلاص أكثر إيجابية لشخصياتها. ففيها يرحل بطلها ميلكمان ديد بعيدًا عن
زواج أهله المعدم الحب ليقوم برحلة ذهنية وجسدية إلى جذور أجداده. وهناك
يكتشف ميراثا أكثر فائدة في الحكايات الشعبية عن الجدة والجد الأكبر اللذين
ماتا منذ عهد بعيد إلا أنهما غرسا في الثقافة المحلية للمعتقدات التقليدية
أحساسيس وعواطف قابلة للاستمرار والبقاء. هذه المعرفة التقليدية هي ما
يستخدمه ميلكمان ليتلقن الارشاد الروحي الذي تقدمه له عمته بيلاتي وكيف أنه
يكشف بالتالي كليا الأهمية التي والتورط المادي لعالم أهله.
من رواياتها الأخرى " تار بايبي" التي تقوم أحداث العلاقة الملتبسة فيها في
هايتي، غير أنها من خلال إعادة تأليف للتاريخ عوض استخدام الأسطورة أو
المجاز كما عادتها، استطاعت موريسون إدراك ذروة ما حققته كروائية ذلك في
روايتها "المعشوقة" في العام 1987 وهي التي أحرزت لها أول جائزة أدبية
رفيعة وفي جائزة بوليتزر. تقوم أحداث الرواية في أواسط العام 1870 حيث كانت
العلاقات العرقية في أميركا آنذاك ادركت ذروتها المفصلية الحاسمة (إذا
كانت انتهت حقبة العبودية ولم يكن تحقق بعد كليا إعادة إعمار الجنوب). ترسم
الرواية قدر الام سيتي المسكونة والتي يدمرها شبح ابنتها " معشوقة " التي
كانت قد قتلتها قبل ثمانية عشر عاما لكي تمنع احد الاسياد الاشرار من
استعبادها . انها رواية محورية في نتاج موريسون لانها تتضمن العديد من
التيمات الاساسية في كتابتها وفي تقنياتها على حد سواء. من الحب الى الشعور
بالذنب الى دور التاريخ في ايضاح تأثير الماضي على الحاضر وكل هذا ترويه
بواقعية سحرية تحور (من دون انكار) الكثير من الوقائع الدنيوية.
في روايتها التالية " جاز" 1992 قدرلموريسون أن تدعم استراتيجية الصوت
الحكواتي التي تعتمده. واستوحت اسلبة عازف الجاز الافرادي لتستعرض كيف ان
الارتجالية بالتفصيل يمكن ان تبدل طبيعة ما يعبر عنه. الحاضر والماضي
تمظهرا معا في حيوات شخصياتها فيما حاول السرد ان يفهم ويتقصى مشاعر الغيرة
العشقية واحيانا التمظهر المروع للكراهية.
في أعمالها تنشد توني موريسون بصوتها الخاص وبفخر الماضي الذي في يضع كل
الاميركيين في تماس مع ميراث ايجابي قابل للحياة وللاستخدام. ويجدر الذكر
اخيرا الى ان معظم كتب موريسون جرى ترجمتها الى العربية اذ نجحت نوبل لمرة
في الاضاءة على كاتب معاصر واستثنائي على الرغم من كل الاعتبارات السياسية
العرقية المرافقة.
أتمنى أن ينال موضوعى إعجابكم
فى إنتظار ردودكم
ومرحبا بكم فى بيتكم مركز شباب بولاق