حياة البرزخ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فمرحلة ما بعد الموت تسمى
مرحلة القبر، أو حياة البرزخ. وهي مرحلة مغايرة لمرحلة الحياة الدنيا؛
لأنها داخلة في مراحل اليوم الآخر، بل هي أول مرحلة من
مراحل اليوم الآخر ، وهو اليوم الذي يكون بعد هذه الدنيا ، وكل من
مات فقد قامت عليه قيامته . واليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة
وعليها تنبني أصول الاعتقاد . وهو من جملة الأمور الغيبية التي يجب على
المكلف الإيمان بها كما ثبتت بذلك النصوص من كتاب الله وسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم . وما دامت هذه الأمور غيبية فلا سبيل إلى معرفتها إلا
بالوحي المعصوم من كتاب أو سنة ومن ذلك معرفة مقدار بقاء الإنسان في قبره،
وتفاصيل حياة البرزخ ... لكن الذي يجب الإيمان به أن الإنسان إذا مات سواء
قبر أو لم يقبر فهو إما في نعيم ، أو عذاب، والإضافة إلى القبر في قول أهل
العلم (عذاب القبر ، ونعيم القبر) إنما هو باعتبار الغالب ، فغالب من يموت
يدفن في القبر . ونعيم القبر وعذابه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، ولهذا
يذكره علماء الاعتقاد ضمن مسائل الإيمان والعقيدة، ولم يخالف في أصل هذه
القضية إلا طوائف من الفلاسفة والزنادقة . ومما ينبغي أن يُعلم : أن العذاب
أو النعيم في البرزخ يكون على الروح أصلا ، وعلى البدن تبعاً . ويحس الميت
بالنعيم ، أو العذاب بكيفية لا يعلمها إلا الله تعالى. وإذا ثبت لنا أن
الميت يكون في البرزخ في حالة برزخية مغايرة للحياة الدنيا ولحياة أهل
الجنة وأهل النار فهو قطعا يحس بالعذاب والنعيم ، ويصل إليه ذلك حقيقة ،
ويبقى معذباً أو منعماً ، ويحس بانصراف المشيعين عنه ، ويسمع قرع نعالهم ،
كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : (العبد إذا وضع في قبره ، وتولي ، وذهب أصحابه ، حتى إنه ليسمع قرع
نعالهم ، أتاه ملكان فأقعداه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد
صلى الله عليه وسلم؟ فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقال انظر إلى
مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعداً من الجنة). قال النبي صلى الله عليه
وسلم (فيراهما جميعا. وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري، كنت أقول ما
يقول الناس. فيقال لا دريت ، ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين
أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين). صحيح البخاري (1338)،
وصحيح مسلم (2870). وعلى كل حال فهناك إحساس في الحياة البرزخية ، لكنه
قطعا ليس مماثلا لإحساسنا في الحياة الدنيا ، وكذلك لا نعرف من تفاصيل هذا
الإحساس سوى ما جاءت به الأدلة . وأما غير ذلك فهي أمور غيبية لا يعلمها
إلا الله ، ولا يحق للإنسان أن يستفصل عن هذه الأمور . ولو كان في معرفتها
مزيد إيمان وطاعة لجاءت بها هذه الشريعة العظيمة . وفي ذلك يقول ابن أبي
العز الحنفي –رحمه الله– في شرحه للطحاوية: (وقد تواترت الأخبار عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا ،
وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ولا تتكلم في كيفيته إذ
ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذه الدار ، والشرع لا
يأتي بما تحيله العقول ، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول). ولهذا
فالمطلوب أن نشتغل بما طلب منا وما به أمرنا من الاستعداد لتلك المرحلة ؛
بالإيمان والعلم والعمل الصالح ، مع كثرة الدعاء بالاستعاذة من عذاب القبر .
كما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة والله أعلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم
الدين
أتمنى أن ينال موضوعى إعجابكم
فى إنتظار ردودكم
ومرحبا بكم فى بيتكم مركز شباب بولاق