نفحات الرحمة فى شعبان
حياكم الله .. وكل عام
وأنتم بخير. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك
تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: "ذاك شهر تغفل الناس فيه
عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر
ترفع
فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه
النسائي ، وعن عائشة أنها قالت : " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان " . صححه الألباني أنظر صحيح سنن
أبي داوُد
كان أنس مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى رواية
: ما كنت أحب أن أرى رسول الله صائما إلا رأيته ولا مفطرا إلا رأيته ولا
قائما الليل إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته .من حديث أنس نرى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعلم أمته الإعتدال فلا إفراط ولا تفريط .
عجبا
لهذه الأمة ( أمة محمد ) التى تتقلب فى فضل الله جل جلاله ثم تنتقل من خير
إلى خير وتتقلب فى مواسم الفضل فتخرج من موسم فضل إلى موسما آخر لتظل دائما
دائما أبدا فى معية الله تتقرب إليه جل فى علاه فكرامة هذه الأمة عظيمة
ولا يحق لأحد أن يجرد هذه الأمة من خيريتها لمجرد أنها تمر اليوم بمرحلة من
مراحل الضعف لا ينكرها أحد ولكن إذا أردت أن تقف على كرامة هذه الأمة
وخيريتها على ما هى فيه من ضعف وتقصير فانظر إلى جميع أمم الأرض لتعلم
يقينا أنه لا يوجد الآن أمة توحد رب السماء والأرض إلا أمة المصطفى ! قال
تعالى ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ) وخير دليل قرآنى على خيرية أمة
محمد المطلقة قوله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) . كانت ولا
زالت وستظل خير أمة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها قد يرد البعض الآن بأن
أمة النبى فيها الزناة وفيها العصاة وفيها من يشربون الخمر وفيها
المخالفات وقد تقهقرت وتأخرت وهذه حقائق لا تغيب عنا ! ولكن ما زال الحق
بأن أمة النبى بما فيها من تقصير وضعف لكنها ستظل خير أمة لأنها الأمة
الوحيدة التى توحد الله وتؤمن بالحبيب رسول الله أما المذنبون والمقصرون
أمثالى كانوا ولا زالوا موجودون فى الأمة من عهد النبى صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك لم يقلل وجود هؤلاء من كرامة الأمة فقد وصف الله أمة محمد بالخيرية
فى وجود هؤلاء العصاة الضعفاء المقصرين وقد وعد الله نبينا ألا يخزيه فى
هذه الأمة أبدا ففى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنه : ((
أن النبى صلى الله عليه وسلم جلس يوما يبكى قرأ قول الله فى إبراهيم "ربى
إنهن أضللن كثيرا من الناس < يعنى الأصنام والآلهة المكذوبة > فمن
تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم " ولم يقل فمن عصانى فانتقم منه !
لأن أصحاب القلوب الكبيرة قل ما تحركها دوافع الغلظة والقسوة والإنتقام
وقرأ عليه الصلاة والسلام قول الله فى عيسى " لإن تعذبهم فإنهم عبادك وإن
تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ثم بكى الرحمة المهداة فقال ربنا جل فى
علاه إلى جبريل : يا جبريل إنزل إلى محمد فسله ما يبكيك وهو أعلم جل جلاله
وهو علام الغيوب ! فنزل جبريل إلى النبى الأمين سائلا :ما يبكيك يا رسول
الله ؟ قال : اللهم أمتى أمتى يا جبريل فصعد جبريل إلى الملك الجليل فقال :
يقول أمتى أمتى فقال الله جل وعلى لجبريل :إنزل إلى محمد فقل إنا سنرضيك
فى أمتك ولا نسوءك )) .
هذا وعد ربنا من رحمة الله بأمة محمد أن
تفضل عليها بكثير من مواسم الطاعات وكثير من مواسم العبادات والخيرات وعن
أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اذا أراد الله بعبد خيرا استعمله
قيل كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه وقد
قال الحافظ بن كثير إن الله أجرى عادته بكرمه أن من عاش على شئ مات عليه
ومن مات على شئ بعث عليه .
إن الله قد جعل شعبان شهرا لتهيئة القلوب
والنفوس والأرواح بل والأبدان لشهر رمضان وتلك توطئة كريمة وتهيئة جليلة
تقبل فيه على رمضان إقبالا يليق بمكانة الشهر المعظم مهيئا للصيام كان صلى
الله عليه وسلم يكثر من الصيام فى شعبان فكان يصوم شعبان إلا قليلا .
تعالوا
نعاهد ربنا على أن نقبل على هذه العبادة العظيمة وعلى أن نجدد الأوبة
والتوبة وأن نحرص من أول يوم من أيام الشهر أن نستعد إستعدادا خاصا لآخر
هذا الشهر الذى سترفع فيه الأعمال إلى الله ... فهل يا ترى أعددت من
الأعمال ما تحب أن يرفع فى هذا الشهر ؟ هل أنت مستعد أن ترفع أعمالك
الماضية فى آخر هذا الشهر إلى الملك جل جلاله ؟ كيف الحال إذا تعرض أحد منا
إلى شكل من الإشكالات فى الحياة وتعرض للمثول أمام قاض من قضاة الدنيا ؟
يا ترى قبل هذا الموعد من اللقاء والمحاكمة يا ترى بم يفكر الإنسان ويخطط
ويبحث عن من يدافع عنه وماذا سيقول وما الذى سيقال له ؟ إلى آخر هذه الحالة
النفسية المؤلمة المزعجة المقلقة فهل أنت مستعد أن تعرض أعمالك على الله
جل جلاله فى آخر هذا الشهر فقد نغفل كثيرا على أن أعمالنا تعرض على الله كل
يوم نأكل ونشرب وننام ونستيقظ على العمل ولا يفكر الكثير منا فى عرض عمله
اليومى على الله العليم !
عن أبى موسى الأشعرى أن الحبيب المصطفى قال :
(( إن الله لا ينام ولا ينبغى له أن ينام ولايغفل ويرفع إليه عمل الليل قبل
النهار وعمل النهار قبل الليل )) هل تفكرت فى فى هذه لقد بات التذكير بعرض
الأعمال على الله من قسوة القلوب وضعفها إلا من رحم لا يحرك إلا قلوبا
قليلة تمتلئ بجلالة الله وخشية الله وتعظيم الله ! فاحرص على أن يرفع لك
عمل يرضى الله عنك . إحرص على أن ترفع لك توبة تجب ما سبق فالتوبة تجب ما
قبلها إحرص على أن يرفع لك إستغفار يجب الله عز وجل لك به ما سبق فالتوبة
بفضل الله تعالى هى الأصل حتى فى الكبائر ذكر نفسك بأن:
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل
فتأهبى يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل
وليركبن عليك به من الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعا
فما يبقى العزيز ولا الذليل
لذا
كان الرسول وهو من هو يحرص على الصيام فى هذا الشهر الفضيل .ولو علمنا فضل
الصيام لحرصنا عليه وما ضيعناه فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى
صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من صام يوما فى سبيل الله باعد الله بين
وجهه وبين النار سبعين خريفا )) والمراد بالخريف هنا العام أى باعد الله
بينه وبين النار سبعين عاما ! ولا ننسى أن الصيام فى شعبان سنة من هدى
نبينا ، وأما حكم الصيام فى يوم النصف من شعبان فهو مندوب ومستحب لأنه يوم
من الأيام البيض الغر الذى يندب صيامها كيوم ثالث من الأيام القمرية البيض .
أما
حكم إحياء الليلة فلا أصل له ولو كان من هدى النبى صلى الله عليه وسلم
لكان نقل إلينا وهدى إلينا بالتواتر ولم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم
أنه كان يقيم ليلة النصف من شعبان بأصحابه فى المسجد النبوى ومن حق أى مسلم
أن يقيم الليل فى بيته حتى لو فى هذه الليلة ونعم بها من قربة إلى الله
أما أن يجتمع الناس فى هذه الليلة فى المساجد لقيموا صلاة التسابيح أو
لصلاة الرغائب أو أو لغير ذلك فلا أصل لهذا من فعل النبى صلى الله عليه
وسلم ولو كان فى ذلك خيرا لسبقنا إليه رسول الله فلا تتوهم أيها المسلم أنك
أحرص على الخير من رسول الله صلى الله عليه وسلم
أتمنى أن ينال موضوعى إعجابكم
فى إنتظار ردودكم
ومرحبا بكم فى بيتكم مركز شباب بولاق