ماالذى أبكى هذا التاجر
أنين الصمت ما الذي أبكى هذا التاجر ؟
يقول أحد الدعاة : دعاني ابنٌ لأحد كبار التجار
يوماً لزيارة والده المريض ، سألت الولد عن مرض أبيه فقال : هو مصابٌ
بتليفٍ في كبده وسرطان في أجزاء أخرى في جسده لكن الطبيب لم يخبره بذلك ،
ونحن لم نخبره أيضاً فهو لا يدري عن مرضه شيئاً , دخلت على هذا التاجر فإذا
هو على السرير الأبيض عمره لم يتجاوز الستين ، لم يتمكن المرض منه بعد ولا
يزال جسمه نشيطاً إلى حدٍ ما ، صافحني ثم أمر أولاده بالخروج , فلما خرجوا
وبقيت أنا وهو ظل ساكتاً ثم بكى والتفت إليَّ وقال :
آه يا شيخ تباً لهذه الدنيا ، منذ أن عرفت نفسي وأنا
أجمع الأموال وأعدُّها عداً وأغامر في مختلف التجارات ، كم كنت أتعب في
ذلك وأنشغل عن عبادة ربي ، كم نمت عن الصلاة بسبب السهر على الأموال
ومتابعة الشركات ، وكم غفلت عن قراءة القرآن وبخلت عن الإنفاق على المساكين
والأيتام ..
يقول : كم أتتني والله يا شيخ نصائح من بعض الفضلاء
بالحرص على الطاعة وعدم الغفلة عن الغاية التي خلقنا من أجلها وللتزود لدار
الآخرة ، ولكن كنت أقول ليس بعد ، بل إذا بلغت الستين أعطيت نفسي تقاعد
واشتريت مزرعة , وأقمت في راحة وعبادة حتى الموت .. ثم هأنذا يفجعني ما نزل
بي من مرض وأسأل أولادي عن المرض فيقولون : هو التهابات يسيرة واضطرابات
في الهضم وأنا أظن الأمر على غير ذلك ..
ثم بكى الرجل وقال : هل رأيت
أولادي هؤلاء الذين يدعونك لزيارتي ويظهرون الشفقة والرحمة بي , بالأمس
جلسوا عندي فتظاهرت بالنوم ليخرجوا عني ، فلما ظنوا أني قد نمت بدؤوا
يتكلمون عن تجارتي ويحسبون أموالي وكم سينال كل واحد منهم من التركة وكيف
سيتمتع بالمال ، ثم ارتفعت أصواتهم واختصموا على عمارة كبيرة لي ، قال
الأول نبيعها وندخل ثمنها في التركة ، وقال الآخر بل نؤجرها ، وصاح الثالث
بل تكون من نصيبي ، وارتفعت الأصوات تباً لهم يختصمون في مالي وأنا حي بين
أظهرهم ..
ثم بدأ ينوح على نفسه ولسان حاله يردد : { ما أغنى عني ماليه ، هلك عني سلطانيه } الآية { رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } .
وقفة :-
الذي يتأمل أحوال كثير من الناس في
هذا الزمان يرى العجب العجاب وكأنهم لم يخلقوا للعبادة , وإنما خلقوا
للدنيا وشهواتها , فإنهم إن فكَّروا فللدنيا وإن أحبوا فللدنيا وإن عملوا
فللدنيا , فيها يتخاصمون وبسببها يتركون كثيراً من أوامر ربهم ، قال تعالى :
{ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ
يَعْلَمُونَ } الحجر
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : (
أخوف ما أخاف عليكم اِتباع الهوى وطول الأمل , فأما اِتباع الهوى فإنه
يصدُّ عن الحق , وأما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة .وكان يقول : ارتحلت
الدنيا مدبرة ، وارتحلت الآخرة مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من
أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عملٌ ولا حساب ،
وغداً حسابٌ ولا عمل .
ويقول ابن القيم رحمه الله : ما مضى من الدنيا أحلام , وما بقي منها أماني والوقت ضائع بينهما .
أسأل الله جلا وعلا أن يجعل الدنيا في أيدينا وألا يجعلها في قلوبنا ، وأن يرزقنا وإياكم الحرص للتزود للدار الآخرة
أتمنى أن ينال موضوعى إعجابكم
فى إنتظار ردودكم
ومرحبا بكم فى بيتكم مركز شباب بولاق