المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة، اختصرتها من الكتاب النافع صفة صوم النبي صلى الله عليه
وسلم في رمضان للشيخ سليم بن عيد الهلالي، والشيخ علي بن حسن الحلبي
حفظهما الله.
والهدف من اختصار هذه الرسالة تيسير العلم على عامة الناس.
وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يجعل لها القبول، والله الموفق.
وكتبه: مجدي بن عبد الوهاب الأحمد
أبو مسلم
19شعبان 1418 هـ
فضائل الصيام:
جاءت آيات بينات محكمات في كتاب الله المجيد، تحض على الصوم؛ تقرباً إلى الله عز وجل، وتبين فضائله؛ كقوله تعالى:{وَالصَّائِمِينَ
وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم
مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35].
وقال تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم حصن من الشهوات لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (هي المقدرة على الزواج بأنواعها كافة) فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء(المراد: قطع شهوة الجماع)» [البخاري (5065) ومسلم (1400)].
يتبين لك أخي المسلم من هذا الحديث أن الصوم يقمع الشهوات، ويكسر حدتها، وهي التي تقرب من النار، فقد حال الصيام بين الصائم والنار.
لذلك جاءت الأحاديث مصرحة بأنه حصن من النار، وجُنَّةٌ (أي: وقاية) يستجن بها العبد من النار، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفا» [البخاري (2840) ومسلم (1153)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنةٌ يسْتَجَنُّ بها العبد من النار» [صحيح الترغيب (970)].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "يا رسول الله! دلني على عمل أدخل به الجنة"، فقال صلى الله عليه وسلم: «عليك بالصوم، لا مثل له» [صحيح سنن النسائي ( 2097)].
فضل شهر رمضان:
رمضان شهر خير وبركة، حباه الله بفضائل كثيرة؛ منها: أن الله عز وجل أنزل فيه القرآن هدى للناس، وشفاء للمؤمنين.
قال تعالى: {شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة : 185].
وفي شهر رمضان ليلة هي عند الله عز وجل خير من ألف شهر؛ ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا
أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ
أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: 1: 5].
وفي هذا الشهر تصفد الشياطين، وتغلق أبواب النيران، وتفتح أبواب الجنان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان؛ فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين» [البخاري (3277)، ومسلم (1079)].
أحكام الصيام:
النية (النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، وإن رآها الناس حسنة):
إذا ثبت دخول رمضان بالرؤية البصرية، أو الشهادة، أو إكمال العدة، وجب على
كل مسلم مكلف أن ينوي صيامه في الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» [إرواء الغليل (914)] (وتبييت النية مخصوص بصيام الفريضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي عائشة في غير رمضان، فيقول: «هل عندكم غداء؟ وإلا فإني صائم» [مسلم (1154)].
ومن أدرك شهر رمضان وهو لا يدري، فأكل وشرب، ثم علم فليمسك، وليتم صومه، ويجزؤه ذلك.
وقت الصوم:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187]؛ قال:
"فكان الرجل إذا أراد الصوم؛ ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط
الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار". [البخاري (1917) ومسلم (1091)].
* الفجر فجران:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفجر فجران: فأما الأول؛ فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة»
[الصحيحة (693)] (يسمى الفجر الكاذب: هو البياض (الضوء) المستطيل الساطع
المصعد؛ كذنب السرحان أي : الذئب)، وأما الثاني؛ فإنه يحرم الطعام، ويحل
الصلاة (يسمى الفجر الصادق: هو الأحمر المستطير أي ينتشر بياض الأفق
معترضاً، وهذا هو الذي تتعلق به أحكام الصيام والصلاة).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد» [الصحيحة
(2031)] (قال ابن الأثير في "النهاية": أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل
فتمتنعوا به عن السحور) وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر(قال الخطابي
في معالم السنن: "ومعنى الأحمر هاهنا: أن يستبطن البياض المعترض أوائل
حُمْرَةٍ، وذلك البياض إذا تتام طلوعه، ظهرت أوائل الحمرة". [ط / دعاس
(2/760)].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الفجر ليس الذي يقول هكذا - وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا - ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه» [البخاري (621)، ومسلم (1093)].
* ثم يتم الصيام إلى الليل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم» [البخاري (1954)، ومسلم (1100 )].
وهذا أمر يتحقق بعد غروب قرص الشمس مباشرة، وإن كان ضوؤها ظاهراً، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً أمر رجلاً، فأوفى (أي: أشرف وأطلع) على شيءٍ، فإذا قال: "غابت الشمس"؛ أفطر [صحيح ابن خزيمة (2061)].
* السحور:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]
فكان الوقت والحكم على وفق ما كتب على أهل الكتاب أن لا يأكلوا، ولا
يشربوا، ولا ينكحوا بعد النوم. أي: إذا نام أحدهم لم يطعم حتى الليلة
القابلة، وكتب ذلك على المسلمين، فلما نُسخ، أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالسحور تفريقاً بين صومنا وصوم أهل الكتاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [صحيح الجامع (4207)].
والسحور بركة؛ لأنه اتباع للسنة، ويقوي على الصيام، وفيه مخالفة لأهل الكتاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» [البخاري (1923)، ومسلم (1095)].
ومن أعظم بركات السحور أن الله سبحانه وملائكته يصلون على المتسحرين، قال صلى الله عليه وسلم: «السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين»
(تنبيه: إذا أذن المؤذن وفي يدك كأس من ماء أو كنت تأكل الطعام؛ فكل وأشرب
هنيئاً مريئاً؛ لأنها رخصة من أرحم الراحمين على عباده الصائمين)، [صحيح
الترغيب (1062)].
* الإفطار:
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون» [صحيح الترغيب (1067)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»
[البخاري (4 /173)، ومسلم (1093)] (قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح
الباري (4 /199): "من البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان
الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة، زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في
العبادة، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة -
لتمكين الوقت زعموا -، فأخروا الفطر وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك
قلَّ عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان" بتصرف).
إذا كان الناس بخير؛ لأنهم سلكوا منهاج رسولهم، وحافظوا على سننه؛ فإن
الإسلام يبقى ظاهراً وقاهراً، لا يضره من خالفه، وحينئذ تكون الأمة
الإسلامية قدوة حسنة يتأسى بها، لأنها لن تكون ذيلاً لأمم الشرق والغرب،
وظلاً لكل ناعق تميل مع الريح حيث مالت.
* الفطر قبل صلاة المغرب، وعلى ماذا يفطر؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن
رطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات؛ حسا حسوات (جمع حسوة، وهي: الجرعة من
الشراب) من ماء" [إرواء الغليل (922 )].
* ماذا يقول عند الإفطار؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للصائم عند فطره دعوة لا ترد» [إرواء الغليل (903)].
ومن الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد كان يقول صلى الله عليه وسلم إذا أفطر يقول: «ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله» [إرواء الغليل (5920)].
* ماذا يجب على الصائم تركه:
اعلم أيها الموفق لطاعة ربه جل شأنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الصائم
أن يتحلى بمكارم الأخلاق وصالحها، ويبتعد عن الفحش، والتفحش، والبذاءة،
والفظاظة، وهذه الأمور السيئة وإن كان المسلم مأموراً بالابتعاد عنها
واجتنابها في كل الأيام؛ فإن النهي أشد أثناء تأدية فريضة الصيام.
لهذا جاء الوعيد الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يفعل هذه المساوىء، فقال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» [صحيح الترغيب ( 1076 – 1077)] فيجب على الصائم أن يبتعد عن الأعمال التي تجرح صومه.
* ما يباح للصائم فعله:
1- الصائم يصبح جنباً:
عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حُلم، فيغتسل ويصوم" [البخاري (1930)، ومسلم (1109)].
2- السواك للصائم:
قال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»
[البخاري (887)، ومسلم (252)] فلم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم
من غيره، ففي هذا دلالة على أن السواك للصائم ولغيره عند كل وضوء وكل صلاة.
3- المضمضة والاستنشاق:
كان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق وهو صائم، لكنه منع الصائم من المبالغة فيهما.
قال صلى الله عليه وسلم: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» [إرواء الغليل (90)].
4- المباشرة والقبلة للصائم:
ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه" [البخاري (1927)، ومسلم (1106)].
- ويكره ذلك للشاب دون الشيخ:
فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال:
"كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء شاب فقال: "يا رسول الله أُقبل
وأنا صائم؟" قال: «لا»، فجاء شيخ، فقال: "أٌقبل وأنا صائم؟" قال: «نعم»،
قال: "فنظر بعضنا إلى بعض فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الشيخ يملك نفسه» [الصحيحة (1606)].
5- تحليل الدم، وضرب الإبر التي لا يقصد بها التغذية.
6- الحجامة:
كانت من جملة المفطرات ثم نسخت، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وهو صائم؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم" [البخاري (1939)].
7- ذوق الطعام:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا باس أن يذوق الخل، أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم" [البخاري (3 /154) الفتح].
8- الكحل والقطر ونحوهما مما يدخل العين.
9- صب الماء البارد على الرأس والاغتسال:
كان صلى الله عليه وسلم يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر. [صحيح سنن أبي داود (2072)].
مفسدات الصوم:
1- الأكل والشرب متعمداً.
أما من كان نسياً، أو مخطئاً، أو مكرها؛ فلا شي عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» [إرواء الغليل (82 )]، وليعلم الصائم الذي أكل ناسياً أن الله هو الذي أطعمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي فأكل وشرب؛ فليتم صيامه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه» [البخاري (1933)، ومسلم (1155)].
2- الجماع.
3- تعمد القيء:
قال صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه (أي: غلبه وسبقه) القيء؛ فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض» [إرواء الغليل (923)].
4- الحيض والنفاس:
إذا حاضت المرأة أو نفست في جزء من النهار سواء وجد في أوله، أو في آخره؛ أفطرت وقضت، فإن صامت؛ لم يجزئها.
قال صلى الله عليه وسلم: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟» قلن: "بلى"، قال: «فذلك نقصان دينها» [مسلم (79)].
5- الحقن الغذائية:
وهي إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء بقصد تغذية بعض المرضى، فهذا
يفطر الصائم؛ لأنه إدخال إلى الجوف، وأيضاً الحقن التي لا تصل إلى
الأمعاء، وإنما إلى الدم، فهي كذلك تفطر؛ لأنها تقوم مقام الطعام والشراب،
وكذلك ما يأخذه بعض المرضى المصابين بالربو القصبي؛ فإنها تفطر.
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر:
1- المسافر:
وردت أحاديث فيها تخيير المسافر في الصوم، ولا تنسى أن هذه الرحمة ذكرت في الكتاب المجيد.
قال تعالى: {وَمَن
كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أأصوم في السفر؟" - وكان كثير الصيام - فقال: "صم إن شئتَ، وأفطر
إن شئتَ". [البخاري (1943)، ومسلم (1121)].
(قد يتوهم بعض الناس أن الفطر في أيامنا هذه في السفر غير جائز، فيعيبون
على من أخذ برخصة الله، أو أن الصيام أولى لسهولة المواصلات فهؤلاء نلفت
انتباههم إلى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:64]، وقوله: {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:232]).
2- الشيخ الكبير الفاني والمرأة العجوز:
عن ابن عباس رضي الله عنه قرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]، يقول: "هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيفطر، ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً نصف صاع من حنطة" [البخاري (4505)].
3- الحامل والمرضع:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام» [صحيح سنن الترمذي (718)].
القضاء:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فأقضيه عنها؟" قال:
«نعم؛ فدين الله أحق أن يقضى» [البخاري (1953)، ومسلم (1148)] (والمبادرة
إلى القضاء أولى من التأخير؛ لدخولها في عموم الأدلة على الإسراع في عمل
الخير، قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل
عمران:133]، وقوله: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ
لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون :61].
تنبيه: لا يشترط في القضاء التتابع).
أما من أفطر يوماً من رمضان عامداً؛ فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم ما يلزمه قضاءاً أو كفارةً؛ لأن إثمه أعظم من أن يتداركه قضاء، أو
تجبره كفارة، بل عليه أن يتوب إلى الله تعالى، ويَصْدُقُ التوبة، ويكثر من
عمل الصالحات، وفعل الطاعات، عسى الله تعالى أن يمحو إثمه الذي اقترفه
بفطره متعمداً (بتصرف من كتاب "كفرات الصوم" لمصطفى عيد الصياصنة).
* كفارة الجماع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله، هلكتُ"، قال: «ما أهلكك؟»، قال: "وقعتُ على
امرأتي في رمضان"، قال: «هل تستطيع أن تعتق رقبة؟» قال: "لا"، قال: «هل
تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: "لا"، قال: «فهل تستطيع أن تطعم
ستين مسكينا؟»، قال: "لا"، قال: «فاجلس»، فجلس، فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم بعِرْق فيه تمر، قال: «فتصدق به» فقال: "ما بين لابتيها أفقر منا"،
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، قال: «خذه، فأطعمه أهلك»
(تنبيه: لا يلزم المرأة كفارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب إلا
كفارة واحدة والله أعلم) [البخاري (1936)، ومسلم (1111)].
وفي رواية أخرى زاد في آخرها: «كُلْهَا أنت وأهل بيتك، وصم يوماً، واستغفر
الله» (وهذا الحكم يشمل الزوجة أيضاً، إذ عليها أن تقضي مكان اليوم الذي
أفطرته بالجماع يوماً آخر، وتستغفر الله عز وجل) [صحيح سنن أبي داود
(2096)].
قيام رمضان المعروف بـــ "التراويح":
(سميت بالتراويح؛ لأنهم كانوا يستريحون عقب كل أربع ركعات؛ لطول القراءة،
وظلت هذه الاستراحة حتى بعد أن صارت القراءة فيها قصيرة جداً. وأما تسمية
قيام رمضان بالتراويح؛ فلا أصل لها؛ لعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه
وسلم ولا أحدٍ من أصحابه، وأيضاً لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يجلس للاستراحة عقب كل أربع ركعات" [بتصرف، راجع كتاب "إرشاد الساري
إلى عبادة الباري" القسم الثالث (ص75 ) للشيخ محمد إبراهيم شقرة حفظه
الله].
وقال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه النافع "معجم المناهي اللفظية" ط / الأولى
* الذي في السنة "قيام الليل"، ولكن هذا اللفظ منتشر على لسان السلف كما في صحيح البخاري وغيره والله أعلم.
* هذا الكلام غير موجود في الطبعة الثانية، فلا أدري لماذا؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه» [البخاري (37)، ومسلم (759)].
وصلاة القيام تشرع جماعة، وعدد ركعاتها إحدى عشر ركعة؛ لقول عائشة رضي
الله عنها: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره
على إحدى عشرة ركعة" (انظر الكتاب النافع "قيام رمضان" للشيخ محمد ناصر
الدين الألباني حفظه الله) [البخاري (2013)، ومسلم (736)].
ليلة القدر:
* فضلها:
قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا
أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ
أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
(5)} [سورة القدر].
* وقتها:
قال صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» [البخاري (2020)، ومسلم (1165)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [البخاري (2017)، ومسلم (1169)].
* كيف يتحرى المسلم ليلة القدر؟
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل
العشر؛ شد مئزره (أي: اعتزل النساء من أجل العبادة، وشمر في طلبها، وجد في
تطلبها)، وأحيى ليله، وأيقظ أهله" [البخاري (2024)، ومسلم (1174 )].
وعنها أيضاً قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها" [مسلم (1174)].
* علاماتها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلة القدر ليلة سمحة، طلقة، لا حارة،
ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء» [صحيح الجامع (5475)].
الاعتكاف:
يستحب في رمضان وغيره من أيام السنة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم
اعتكف آخر العشر من شوال، وأن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول
الله، إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟" قال:
«فأوف بنذرك فاعتكف ليلة». [البخاري (2042)، ومسلم (1656)].
وأفضله في رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر
من رمضان حتى توفاه الله عز وجل [البخاري (2026)، ومسلم (1173)].
* شروطه:
قال تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]. (أي: لا تجامعوهن).
وليست هذه المساجد على الإطلاق، فقد ورد تقييدها في السنة المشرفة، قال
صلى الله عليه وسلم: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» [قيام رمضان
(ص36)] (انظر رسالة "الإنصاف في أحكام الاعتكاف" لشيخنا الفاضل علي الحلبي
حفظه الله).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "السنة فيمن اعتكف أن يصوم". [صحيح سنن أبي داود (2473)].
* ما يجوز للمعتكف:
يجوز له الخروج لحاجته، ويجوز له أن يخرج رأسه من المسجد.
قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه
وهو معتكف في المسجد وأنا في حجرتي، فأرجله، وإن بيني وبينه لعتبة الباب
وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً"
[البخاري (2029)، ومسلم (297)].
ويجوز للمرأة أن تعتكف مع زوجها أو لوحدها؛ لقول عائشة رضي الله عنها: "إن
النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله؛
ثم اعتكف أزواجه من بعده" [البخاري (2026) ومسلم (1173)] (قال الشيخ
الألباني حفظه الله وفيه دليل على جواز اعتكاف النساء: "ولا شك أن ذلك
مقيد بإذن أوليائهن لذلك، وأمن الفتنة والخلوة مع الرجال للأدلة الكثيرة
في ذلك، والقاعدة الفقهية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح").
زكاة الفطر:
* حكم وأصناف زكاة الفطر، وعلى من تجب:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم زكاة الفطر صاعاً من التمر (الصاع: أربعة أمداد، المد: حفنة بكفي
الرجل المعتدل الكفين، وقدَّرَهَا أهل العلم المعاصرين بمقدار ثلاثة
كيلوات إلا ربع الكيلو)، أو صاعاً من شعير على العبد، والحر، والذكر،
والأنثى والصغير، والكبير من المسلمين" [البخاري (1503 – 1504) ومسلم
(984)].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نـخْرِجُ في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام، وقال: وكان طعامنا الشعير،
والزبيب، والإقط، والتمر" (وهذا الحديث يفيد أنهم كانوا يخرجون زكاة فطرهم
من الطعام الذي يصلح للادخار، وإذ الأمر كذلك فأي طعام يشيع في الناس،
ويكون صالحاً للادخار، ويصبح قوتاً ؛ فإنه يكفي في زكاة الفطر، (بتصرف من
كتاب "إرشاد الساري" للشيخ محمد إبراهيم شقرة حفظه الله القسم الثالث
(ص90).
تنبيه: لا يشرع إخراج زكاة الفطر بقيمة الطعام نقداً؛ لأن الرسول صلى الله
عليه وسلم أمر بإخراجها طعاماً، والصحابة رضوان الله عليهم لم يخرجوها إلا
طعاماً اتباعاً لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحسن، ولا
ينبغي أن نخالف هذا الشرع العظيم، فالتزم أخي الحبيب بما أمرك الله، ولا
تعطل شعائر الله عز وجل.
وقال الشيخ محمد إبراهيم شقره: "وإن أعجب لشيء، فإنما أعجب لأولئك الذين
يرون جواز إخراج زكاة الفطر قيمة الطعام نقداً، إذ يقولون بأن النقد أعود
بالفائدة على الفقير، فقد يحتاج كسوة له ولأولاده، أو ربما كان في حاجة
إلى شراء طعام آخر يشتهيه، وهذه الدعوة باطلة؛ لأن الناس يحتاجون النقد في
كل زمان مضى كما يحتاجونه اليوم، وكان في الصحابة أغنياء، لديهم الكثير من
الذهب والفضة، فلماذا يا ترى سكت الرسول صلى الله عليه وسلم عنهما، ولم
يعين قدر ما يكفي لزكاة الفطر منهما؟ وفي المسلمين فقراء، وربما تكون
حاجتهم للنقدين أشد من حاجتهم للحنطة، أو التمر، أو الشعير؟ إذا كان
الرسول صلى الله عليه وسلم ينسى؛ فإن الله سبحانه لا ينسى {وَمَا كَانَ
رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:64]، وهل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من
تحديد أصناف صدقة الفطر، وتحديدها بالطعام إلا وحي أوحى به الله إليه؟ ولا
يشك إنسان أنه وحي، والوحي وحي، وما يقولون به من القيمة رأي، ورأي العقل
لا يرد به شرع الوحي". (بتصرف، إرشاد الساري (92)) [البخاري (1510)، ومسلم
(985)].
* وقتها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من
أداها قبل الصلاة؛ فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة؛ فهي صدقة من
الصدقات».
أحاديث ضعيفة تنتشر في رمضان:
1- «لو يعلم العباد ما في رمضان؛ لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها،
وأن الجنة لَتزَيَّن لرمضان من رأس الحول إلى الحول..الخ» وهو حديث طويل
[ابن خزيمة (1886)].
2- «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله
صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى
فريضة فيما سواه. وهو شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار..
الخ»، وهو حديث طويل أيضاً (ولشيخنا الشيخ علي الحلبي حفظه الله رسالة
كبيرة في تضعيف هذا الحديث، سماها: "تنقيح الأنظار في تضعيف حديث: «رمضان
أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار» [الضعيفة (871)].
3- «صوموا؛ تصحوا» [الضعيفة (253)].
4- «من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله له، لم يقضه عنه صيام الدهر كله، وإن صامه» [تمام المنة (396)].
5- «اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا، إنك أنت السميع العليم» [الكلم الطيب (165)].
6- «صائم رمضان في السفر؛ كالمفطر في الحضر» [الضعيفة (498)].
7- «خمس تفطر الصائم، وتنقض الوضوء: الكذب، والغيبة، والنميمة، والنظر بالشهوة، واليمين الفاجرة» [الضعيفة (1708)].
8- «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان؛ نظر الله عز وجل إلى خلقه، وإذا نظر
الله عز وجل إلى عبده؛ لم يعذبه أبداً ولله عز وجل في كل ليلة ألف ألف
عتيق من النار» [الضعيفة (299)].
9- «شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر» [الضعيفة (43)].
وليس يخفى أن بعض هذه الأحاديث تحوي معاني صحيحة ثابتة في شرعنا الحنيف
كتاباً وسنةً، لكن هذا وحده لا يسوغ لنا أن ننسب لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ما ليس بثابت عنه، وبخاصة ولله الحمد إن هذه الأمة من بين الأمم كلها
اختصها الله سبحانه بالإسناد، فبه يُعرف المقبول من المدخول، والصحيح من
القبيح، وهو علم دقيق للغاية، ولقد صدق وبر من سماه: منطق المنقول وميزان
تصحيح الأخبار.
وأخيراً؛ أسأل الله العلي القدير أن يكتب لنا الأجر والثواب، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.