المرأة . المتنبي
والمرأة . المرأة في شعر المتنبي . غزل جاء "المتنبي "
في عصر متأخر من الحضارة العربية، التي ازدهرت وفاقت سمعتها أصقاع الدنيا
وهو لا بلا شك قد تأثر بالشعراء الذين تغنوا بالمرأة كرمز حضاري له عبقه
الشعري الخاص . وإذا كان
حال المرأة في الشعر الجاهلي صورة جميلة يزين بها الشعراء مطالع قصائدهم ،
وعلاقتهم بها تتخذ طابع التكريم والتقدير مرة، والتبذل والمجون أخرى، فهي
عند المتنبي أيضا على هذا النحو. فقد كانت صورها الحسية ماثلة في شعره -
كما سنرى - تطفح منها رائحة الغرائز بأجل الصور البدائية، وبأسلوب يعتمد
على التصريح كما نجد تشابها في المعاني التي طرحت لدى بعض الشعراء الذين
جاءوا في كافة العصور، (كالبحتري وجميل بثينه ، وبشار بن برد، والطرماح وغيرهم ) ومعاني المتنبي . ولو استطردنا في شرح هذا التماثل في المعنى الذي طرحه
المتنبي في غزلياته وجدنا تشابها مع هؤلاء الشعراء، غير ان المتنبي وصف
حبيبته كالشمس في سطوعها ونقاوتها، وجمالها الأخاذ في قوله . كأنها كالشمس يعيي كف قابضه
شعاعها ويراه الطرف مقتربا فهو هنا يستحدث نفس الصورة الوصفية التي
جاء بها "ابن عينيه " قبله في قوله :
وقلت لأصحابي هي الشمس نورها
قريب ولكن في تناولها بعد(1) وفي قول "بشار بن برد":
أو كبدر السماء غير قريب
حيث يوفى والضوء منه قريب (2) أو قول الطرماح:
تراها عيون الناظرين اذا بدت
قريبا ولا يسطيعها من يرومها(3) وتأثر في وصفه لعيون حبيبته الحالمة
ألم ير هذا الليل عينيك رؤيتي
فتظهر فيه رقة ونحول ويقول ابن المعتز.
ضعيفـة أجفانـه * والقلب منه حجر( 4)
كأنما الحاظه * من فعله تعذر
ويقول البحتري :
وكأن في جسمي الذي * في ناظريك من السقم (د)
ومن الملاحظ أن المتنبي قد جدد في المعنى بإبراز قوته ،
وكثافته ،ودفعة خياله ، فهم جميعا لم يصلوا، إلى مرتبة المتنبي ، لقول "ابن
المعتز" الأخير، وان كان أجود من "البحتري " ولكنه لم يصل إلى قول
"المتنبي"، فسقم عين الحبيب انتقل اليه وأمرضه فهو تجاوز الوصف الى الفعل ،
وأورد صورتين في البيت المذكور، وكلاهما ذا أثر فعال في شخص المحب ، بينما
"ابن المعتز" و"البحتري " لم يتعديا وصف صورة واحدة.