إذا ما إشتميت فى خبر تقرأه رائحة العنصرية فتوقف قليلا فربما لا تفوح الرائحة من الخبر و إنما من مصدر آخر.
ردود الأفعال على النت تجاهبشكل عام تجاه
المصريين و إنما على عنصرية مصرية تجاه الجميع .. هذه العنصرية تنعكس فى
صورة إنعدام كامل للثقة فى الآخر و توقع الأسوأ دائما من قبله و من ثم
تتمثل واضحة فى تصوير كل فعل من هذا الآخر تجاه الذات على أنه فعل عنصرى
ينطوى على كراهية لا تتعلق بشخص واحد و فعل بعينه و إنما تشمل كل مصرى و
بدون سبب مباشر غير الحقد و الضغينة غير المبررة..
المصرى القتيل متهم بإغتصاب طفلة فى
الثالثة عشر من عمرها و قتل أربعة – طفلين و جديهما!! .. و على الرغم من
أن القاعدة القانونية المستقرة تقول أن كل متهم بريئ حتى تثبت إدانته إلا
أننا جميعا نعلم أن الجموع الغاضبة لا تقيم للقواعد القانونية وزنا خاصة
فى بلدان لطالما ضرب فيها بالقانون عرض الحائط من قبل السلطات التى يتوقع
منها حمايته و التقيد قبل غيرها به .. لا يمكننا لوم جمهور غاضب إذا ما
إفتقد الثقة فى أن القانون سينصفه – و إن أنصفه سيتم تنفيذ ما يمليه فعليا
– إذا ما إلتجأ إلى وسائل بديلة هى بالضرورة أكثر عدوانية و عنفا و
غوغائية لتحقيق ما يرى أنه العدل ..
لا داعى لأن أذكركم و إياى بما تمخضت عنه
معركة الجزائر الفاضحة و التى نحن اليوم فيها و عن حق الطرف الملام الذى
يتضرع طلبا للمغفرة عما بدر منه خوفا من العقوبة .. فلنحفظ لهذا البلد
البقية الباقية من ماء الوجه الذى أرقناه حتى لم نبق منه إلا القليل و
لنحاول أن نتشبه بمواقف الكبار فى الترفع عن الصغائر و رؤية الأمور فى
حجمها الطبيعى عل و عسى يلمح فينا الآخر ظلا من الشقيقة الكبرى التى كناها
يوما ..
ليس أى منا ببعيد عن موقف أو حالة مشابهة
فى واقعنا المصرى فالأحداث التى لجأ فيها الناس أو حاولوا اللجوء إلى
تنفيذ العدالة من وجهة نظرهم بأنفسهم لا يمكن حصرها و لذلك فأقرب شيئ إلى
تصور أى منا هو توقع أن ما كان هو رد فعل طبيعى تماما من أهالى قرية
غاضبين و ربما لا يكون أمامنا إلا أن نلوم السلطات المسئولة فى موقع
الحادث و التى أظهرت إهمالا غير مفهوم فى توفير الحماية لمتهم بمثل تلك
التهم التى يتوقع أى أحد أن تثير ثائرة الناس ..
الغريب و المريب و غير المبرر هو أن يبحث
أى منا عن أسباب للحادث تتخطى الوقائع الواضحة و المفهومة و الكافية
بذاتها لتبريره .. و الأكثر غرابة و ريبة أن يقفز عقل أحدهم إلى إلصاق صفة
العنصرية بالحادث لمجرد أن بطله و ضحيته مصرى قتله أهالى قرية لبنانية ..
ثم تبلغ الغرابة قمتها و تصبح الريبة يقينا بعدم الموضوعية إذا ما بدأ
أحدهم الربط بين الحدث و بين توترات سياسية بين النظام المصرى و حزب الله
اللبنانى و التى توجت مؤخرا بحكم مريب من محكمة طوارئ مصرية ضد أفراد
إتهموا بتكوين خلية تابعة للحزب على الأراضى المصرية..
هذه الدرجات من الغرابة و الريبة لا يوضحها
إلا العودة إلى واقعنا المصرى ذاته و بمقارنة بسيطة يمكننا أن ندرك طبيعة
الداء و ربما سببه الرئيسى أيضا ..
عندما يتهم شاب مصرى بإغتصاب فتاة مصرية
أيضا .. نتوقع بالطبع أنه لو تمكن أهلها أو أهل قريتها الغاضبون من
الإمساك به أن يلقى مصيرا لا يختلف عن هذا الذى واجهه المصرى فى لبنان و
لكن إذا ما تصادف أن الشاب المصرى هو قبطى أيضا و أن الفتاة المصرية هى
مسلمة فما يحدث هو أن يثور المسلمون من أهلها و أهل قريتها و غيرهم لا ضد
الشاب المتهم و لا حتى ضد أهله بل ضد كل من هو و ما هو قبطى فى طريقهم
فيهاجمون المنازل و يحطمون واجهات المحال التجارية و يحرقون السيارات ..
هذا تحديدا هو العنف العنصرى و الطائفى بإمتياز .. و فى المقابل و بينما
يعيش و يعمل فى لبنان مصريون كثر فلم نسمع اليوم عن أن أحدهم تعرض لتحرش
أو إعتداء من أى شكل .. أين العنصرية و من العنصرى إذن؟؟
أما ربط الواقعة بالحكم الأخير لمحكمة
الطوارئ المصرية فهو أشبه شيئ بالتحسيس على البطحة و كأنما نناقض أنفسنا
إذ ندعى أننا نحمى أمن بلادنا و أن الأحكام القاسية هى عادلة فى مواجهة من
كانوا يريدون العبث بأمن الوطن و تمزيق نسيجه الإجتماعى!! .. فإذا كان
الأمر كذلك حقا فلماذا نتوقع أن يثير تمسكنا بحقوقنا المشروعة شعورا
بالضغينة فى نفوس الآخرين؟ .. و إذا توقعنا أن يكون الآخر من حزب الله و
شيعة الجنوب غير محايد فى حكمه على الأمر ، و حيث أن من بعض إدعاءاتنا أن
اللبنانيين من غير المنتمين لحزب الله و من غير شيعة الجنوب هم فى الواقع
يتفهمون الموقف المصرى و يشاركون مصر و الموالاة اللبنانية فى 14 آذار
تخوفهما من سلاح حزب الله .. إذا كان الأمر كذلك فلماذا نتوقع من قرية
سنية و مسيحية فى قضاء الشوف و ليس فى الجنوب كما قال البعض أن يحمل أهلها
الضغينة لمصر النظام و يمتد حقدها إلى مصر الشعب و الأفراد؟؟
التفسير الطبيعى هو أن ما يمارسه النظام هو
فى الواقع مما لا يقبله أحد سواء كان عضوا فى حزب الله أو من شيعة لبنان
أو سنتها أو مسيحيوها أو كان عربيا فلسطينيا من غزة أو الضفة أو عربيا فى
أى مكان آخر أو حتى مصريا ممن لم يستسلموا لعمليات غسيل الدماغ التى مورست
طوال عقود لتفصم عروة العروبة التى تربطنا بالشقيق ذو اللغة و الثقافة
الواحدة و تربطنا رغم أنوفنا بعجلة مصالح العدو الأمريكى و الصهيونى فنصبح
مخلب قط و نصل خنجر فى ظهر الشقيق ..
التفسير الطبيعى أننا ندرك فى أعماق نفوسنا
أنه لو إستبدل العرب حبهم لمصر ببغض و مقت و كراهية فإن ذلك هو أمر متوقع
و نتيجة منطقية لسنوات من إدارة الظهر لمسئوليتنا تجاه عروبتنا و قضاياها
.. و إلا فبماذا نبرر هذه البرانويا المصرية السائدة و التى ترى فى كل
إشارة أو كلمة أو حدث تحرشا و تطاولا و إعتداءا لا شيئ وراءه إلا العنصرية
و العنصرية وحدها و كأنما إرتدينا فى يوم و ليلة إهاب الدولة العظمى التى
تبرر لمواطنيها كراهية العالم لهم بالحسد و الغيرة أو كره متأصل للحرية و
الديموقراطية .. و بغض النظر عن أنه ليس لدينا ما يحسدنا عليه الآخرون
فإننا مستعدون لإستيراد هذا المفهوم الساذج فنحن ملائكة أبرار أطهار
يكرهنا الآخرون حقدا و ضغينة كما يكره الأنذال من سبق إليهم بإحسان