نحن وما نأكله

يؤثر الغذاء الذي نتناوله في الطريقة التي تتصرف بها الخلايا العصبية لدينا وبالتالي كيفية تفكيرنا ودرجة إحساسنا، ومن المنظور العقلي يمكن القول إن الغذاء يشبه المهدئ في بعض النواحي الوظيفية، إذ إن من الصعب التفريق بين ما نعتبره غذاء وهو (الشيء الذي يحتاجه الجسم ليؤدي وظائفه بشكل جيد) والمهدئ وهو (الشيء الذي يحتاجه المخ ليؤدي وظيفته بشكل جيد)، ومع ذلك فإن الاستخدام الروتيني لبعض المواد مثل المحفزات والمسكنات هو أمر شائع، ومعظمنا لا يعدها مهدئات، بل يعدها طعاماً عادياً . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل القهوة والشاي والكاكاو والمنبهات المماثلة هي أشياء غذائية أم مخدرة؟

كل ما يدخل الجسم مهدئ

يمكن اعتبار أي شيء يدخل للجسم مهدئ، سواء كان مادة غذائية أو لا . حتى الجزيئات التي تعتبر مواد مغذية مثل (الأحماض الأمينية الرئيسية مثل الليسين والتريبتوفان) لها خواص من الممكن أن يعدها البعض مهدئاً .

إن الطعام الذي نأكله وعديد من المواد المخدرة التي لها تأثير نشط نفسياً تأتي من النباتات أو الحيوانات، وتتشابه المكونات الموجودة في هذه المنتجات النباتية والحيوانية مع الناقلات العصبية التي يستخدمها المخ والجسم وتؤدي وظيفتها بشكل طبيعي . وهذا يفسر لماذا تتفاعل محتويات وجباتنا الغذائية مع الخلايا العصبية لتؤثر في وظيفة المخ، وهو ما يؤكد مبدأ مهماً وهو أن المواد الكيميائية الموجودة في الغذاء تؤثر في المخ فقط إذا كانت هذه المواد الكيميائية تشبه الناقل العصبي الحقيقي أو تتفاعل مع العملية الكميائية الحيوية في المخ والتي تؤثر في إنتاج أو إفراز، أو وقف نشاط الناقل العصبي . وتستحق هذه المكونات النشطة فحصاً دقيقاً .

تأثير الكيمياويات الموجودة في الخضروات والفواكه

تنتج النباتات مواد كيميائية تؤثر في المخ وذلك لأنها تشاركنا نفس تاريخ النشأة على سطح هذا الكوكب، حتى الكائنات الدقيقة تنتج عدداً من المواد الكيميائية التي يوجد مثلها في عقل الإنسان، وسواء اختار الشخص أن يأكل بروكلي أو طبقاً من السوشي أو كمية كبيرة من التمور، فإن المواد الكيميائية التي نتناولها في كل وجبة تغير من أداء وظيفة الخلايا العصبية في الإنسان، وبالتالي كيفية التفكير أو الإحساس .

ومثال على ذلك أن الموز غير الناضج يحتوي على مادة السيروتونين الناقلة للخلايا العصبية، فعندما نأكلها فإن مادة السيروتونين (الناقل العصبي الأحادي الأمين) الموجود في الموزة تتفاعل مع الخلايا العصبية الموجودة داخل الجهاز الهضمي وتكون النتيجة هي نشاط متزايد للعضلات في جدار الأمعاء وغالباً ما يكون على شكل إسهال .

مركبات تحسن أداء المخ

تحتوي عدد من النباتات على مركبات تساعد على تحسين أداء المخ مثل البطاطس والطماطم والباذنجان، حيث تحتوي على مادتي الصولانين والشاكونين-اه التي تقوي من فاعلية استيل الكولين وهي مادة كيميائية موجودة في المخ تفيد في تكوين الذاكرة .

كما أن أكل البقوليات يساعد على تحسين الحالة المزاجية للشخص لأنها تحتوي على مادة “ليدوبا” التي تساعد على إنتاج مادة الدوبامين التي تحفز المخ .

وسواء كانت هذه المركبات الناشئة عن الطعام الذي نتناوله والتي تؤثر في المخ تعتمد على المقدار الذي نستهلكه منها أو على حالة الجسم الفسيولوجية، فهذا ربما يفسر السبب في أن بعض الأشخاص يفضلون تناول طعام معين مثل البطاطس أو الباذنجان .

وهناك بعض المواد الكيميائية التي تشبه المورفين ولها تأثير في المخ يتم إنتاجها في الأمعاء عند تناول بعض المواد الغذائية مثل اللبن والبيض والجبن والسبانخ والمشروم (عيش الغراب) واليقطين والأسماك المتنوعة والحبوب .

سر الألبان عند حديثي الولادة

وتحتوي منتجات الألبان بوجه عام على بروتين يعرف باسم “كازين”، وتستطيع الإنزيمات الموجودة في الأمعاء تحويله إلى “بيتا كازمورفين”، حيث يستطيع العبور بسهولة من القناة الهضمية غير الناضجة في الأطفال حديثي الولادة إلى داخل المخ النامي فينمي لديهم الشعور بالنشاط والحيوية .

ويعتقد أن هذا الشعور الممتع الذي يحدث بواسطة مركبات شبيهة بالأفيون في الثدييات حديثة الولادة بعد تذوقها لأول مرة للبن الأم هو ما يجعلها تعود مرة تلو الأخرى للتغذية . وهذا الشعور لا يحدث في البالغين عند تناولهم للبن وذلك بسبب اكتمال الأمعاء لديهم . فإذا كان كوب من اللبن يجعلنا نشعر بمثل ما يحدثه الأفيون والمورفين الذي يساعد على تخفيف الألم، لكنا وجدنا الأبقار تباع في السوق السوداء .

تأثير التوابل

تحتوي التوابل التي تعطي المذاق الطيب لطعامنا على بعض المواد الكيميائية التي لها تأثير نشط نفسياً وتستطيع أن تغير من وظائف المخ . فالتابل المعروف باسم جوزة الطيب والذي يأتي من شجر جوز الطيب يحتوي على بعض المواد التي تشبه المواد المسكرة مثل المسكالين والأمفيتامين، وهذه المركبات توجد أيضاً في الجزر والبقدونس ونبات الشمار والشبت وبعض التوابل الأخرى ولكنها موجودة بتركيزات قليلة، لذلك لا داعي للقلق عند تناولها . ويشعر الشخص بتأثير نشط نفسياً عندما يتناول 30 جراماً من بودرة جوزة الطيب . ولا يشعر بنفس الإحساس عندما يتناول شريحة واحدة من فطيرة اليقطين .

وتتنوع ردود الفعل النفسية من شخص لآخر عند تناوله جوزة الطيب، فالبعض لا يشعر بشيء، والبعض الآخر يشعر بإحساس نشط عند تناول جرعات صغيرة منها وتصل لنفس الإحساس الذي تسببه أوراق القنب الهندي والتي تسبب الهلوسة التي تدوم 48 ساعة إذا أخذت بجرعات كبيرة . ويعتمد كل ذلك على الكمية التي نستهلكها . وهناك آثار جانبية تسببها جوزة الطيب مثل الإسهال الحاد الذي يسببه تحفيز الخلايا العصبية داخل الأمعاء . وعلى الرغم من هذا التأثير غير المرغوب فيه إلا أنها تعد مثيرة للقدرة الجنسية .

تأثير الشوكولاته

تحتوي الشوكولاته على نسبة قليلة من الكافيين وبعض المركبات الأخرى التي لها تأثير نشط نفسياً يزيد من الإحساس بالسعادة عند تناولها، كما تحتوي أيضاً على مركب الفنثيلامين وهو جزيء يشبه الأمفيتامين وكمية صغيرة من مادة كيميائية تسمى أنانداميد وتحدث نفس النشاط الذي تحدثه أوراق القنب الهندي المرجوانة .

ويستخدم العقل مادة الأنانداميد كناقل عصبي يحقق الشعور بالسعادة .

كما تحتوي الشوكولاته على بعض المركبات التي تشبه الاستروجين وهو ما يفسر السبب في طول عمر الرجال الذين يتناولون الشوكولاته مقارنة بمن لا يأكلها .

ولا يظهر هذا التأثير عند النساء بسبب وجود هرمون الاستروجين لديهن حتى توقف الطمث، لذلك من الأفضل للسيدات بعد توقف الطمث أن يتناولن الشوكولاته لفوائدها الكبيرة، فهي تحتوي على أملاح الماغنسيوم والتي تقلل من تذبذب وحدة الإشارات الجنسية .

ويحتوي مكعب من الشوكولاته على مضادات أكسدة تعادل تلك التي يحققها كأس من النبيذ الأحمر . وهناك فوائد كبيرة لكل من الرجال والنساء عند أكل الشوكولاته فهي تعطي تأثيراً مهدئاً ومبهجاً وتخفض من القلق .

وتعتبر الشوكولاته هي القادم الجديد الذي يغني عن العوامل الأخرى التي عرفتها الإنسانية وتخفض القلق مثل الكحول الإيثيلي .

خطر الكحول

يدعم الكحول عوامل كبح النظام الكيميائي للناقل العصبي ويلعب دور كابح للنشاط في الجهاز العصبي المركزي . ولذلك كان يتم استخدامه في القرن التاسع عشر كمخدر عام، ولسوء الحظ فإن المدة التي يكبح فيها نشاط المخ طويلة جداً ولا يمكن التحكم فيها بسهولة أو بأمانها . وتقترب الجرعة المؤثرة لفقد الألم من الجرعة المميتة، وكان ذلك متاحاً قبل القرن العشرين عند إجراء عديد من العمليات الجراحية .

وفي النهاية فإنه بفضل وجود تاريخ نشوء وتطور مشترك للإنسان مع النباتات والحيوانات على سطح هذا الكوكب، فإن تناولنا للمواد الغذائية التي تحتوي على هذه المركبات الكيميائية تؤثر في إحساسنا وطريقة تفكيرنا، كما أن الدرجة التي تؤثر فيها هذه المواد في الوظيفة الإدراكية للمخ تعتمد على كيفية تحقيق ذلك ودرجة التركيز في المخ، وكمية المواد الكيميائية الموجودة في الغذاء وعمر الشخص وحالته الصحية وحالة ممر الدم في الجسم والحواجز الدماغية.

* * *
الغذاء والألياف الغذائية

كان الإنسان في الماضي يتناول الغذاء كاملاً أي من دون نزع الألياف الغذائية سواء الحبوب أو الفواكه أو الخضراوات أو البقول . وهذه إصابة الإنسان في الماضي بأمراض العصر الحديث بعدما تحول الإنسان الحديث وصار يأكل غذاءه خالياً من الألياف .



الألياف الغذائية تقي الإنسان من أمراض عديدة منها:

1- الانبعاثات المعوية للقولون .

2- أمراض القلب .

3- حصاة المرارة .

4- الزوائد المعوية .

5- فتق الحجاب الحاجز .

6- التهاب الزائدة الدودية .

7- دوالي الساقين .

8- تخثر الدم .

9- البواسير .

10- الإمساك .

11- مرض السكري .

12- سرطان القولون .

مكونات الألياف الغذائية

1- السليلوز:

الألياف الغذائية هي عبارة عن كاربوهيدرات غير نافعة لا تفيد الجسم ولا تقوم بتغذية الجسم . والسليلوز هو عبارة عن الألياف الموجودة في الخلية النباتية وهي تتكون من نوعية خاصة من الجلوكوز المبلور الذي يحتوي على 3000 وحدة جلوكوز والتي لا تستطيع عصارة الامليز في الأمعاء أن تحللها وتفرقها إلى وحدتها الأولية فلذلك لا يستطيع الإنسان أن يهضمها ويستفيد منها إلا بنسبة بسيطة لا تتجاوز 29% .

2- الهميسليولوز:

وهو أيضاً أحد مكونات الخلية النباتية، وكذلك لا تستطيع العصارات الهضمية هضمه في الأمعاء بصورة كاملة بل بنسبة 56%-80% وهو يتكون من 150-200 وحدة جلوكوز .

وللهميسيليلوز ثلاث خواص هي:

(1) قابلية امتصاص الماء . (2) قابلية الهضم . (3) قابلية التأيين .

3- البكتين:

البكتين هو مادة بلورية موجودة في الأنسجة الطرية في الفواكه والخضراوات، وهي مادة تذوب في الماء الحار .

وتحتوي الحمضيات على 30% بكتين، ويحتوي التفاح على 15% والبصل (القشر) على 12% بكتين و95% من البكتين يهضم قبل أن يصل إلى الخروج وهو يولد غازات كثيرة بعد هضمه .

وللبكتين خاصيتان:

(1) قابلية تكون الجلي فلذلك يساعد على صناعة المربى .

(2) قابلية التأيين فلذلك اعتبر البكتين مادة لها خاصية منع التسمم لبعض المواد السامية .

وللبكتين أيضاً خاصية أخرى وهي خفض نسبة الكوليسترول في الدم عن طريق زيادة إفراز الدهون في الخروج . كما أن له خاصية تغير نسبة ومسار امتصاص الكوليسترول في الأمعاء مما يقلل ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم ومن ثم يقي الإنسان من مخاطر الإصابة بأمراض القلب .

4- الملكنين:

يتكون الملكنان في أنسجة النبات . فخلية الحبوب تحتوي على 23% لكتين، والملفوف على 6% والتفاح على 25% لكنين .

وبلور اللكتين هو كحولي لا يستطيع امتصاص الماء ولكنه يستطيع الاتصال بحوامض الصفراء .

5- الكم:

تستعمل في الصناعات مكثفات ومثبتات لها أهمية في صناعة المواد اللازمة .

ونوع آخر من الكم هو الكوار الذي يستعمل في الصناعات كمكثف ومثبت للمواد الأولية التي تصنع منها قشطة السلطة و”الآيس كريم” والصابون ومعجون الأسنان .

6- الجنيت:

وهو موجود في بذور البحار ويستعمل في الصناعات كمكثف لمنتجات الألبان.

أشكرك على هذا الموضوع القيم
ولكنه تم نقله هنا بالقسم المختص به