أخذت الكائنات الحية فى التطور من كائن حى أصلى إلى كائنات آخرى متنوعة،
خلال بلايين من السنين، بحيث يفنى الكائن الحى العاجز عن البقاء ، و يبقى
القادر على التكيف مع ظروف البيئة ، و أخذت تنقل التغيرات الطفيفة التى
تحدث فى الجيل الأكثر تكيفا مع البيئة للأجيال الأخرى من خلال العوامل
الوارثية ، وهكذا حدث التطور نتيجة عاملين هما ضرورة التكيف مع ظروف البيئة
المحيطة من أجل البقاء، والثانى هو الطفرات الوراثية التى تحدث فى أحد
الأفراد ليتم نقلها لأجيال جديدة، كل ذلك عبر فترة طويلة جدا،ً وببطء شديد
جداً، أخذ ما يقرب من 3.5 مليار سنة على الأقل.
كان تطور الأنواع يجري
باتجاه محدد و بسبب محدد هو التكيف مع ظروف البيئة المتغيرة، ومن ثم كان
البقاء دائما لمن يتكيف مع ظروف البيئة المتغيرة أفضل من غيره، والانقراض
كان نصيب من لم يستطع هذا التكيف، ولا يحدث التطور لدى نوع من الأنواع
طالما اختفى الدافع له، فتطوُّر الحصان من أسلاف الحصان الحالى، و المفضي
إلى تكون أصبع وحيد بدلا من خمسة، لا يستطيع أن يقطع شوطًا أبعد في هذا
الاتجاه طالما ظل الحصان متكيفا مع بيئته، و لايوجد ما يهدد بقاءه.
تواجد
على الأرض و عبر تاريخها كثير من الكائنات من نفس النوع لا تقوى على
الاستمرار و من ثم لم يبقى إلا الأصلح للبقاء. و بمرور الوقت حدث اندثار
للكائنات التى لا تستطيع أن تتوافق مع متغيرات البيئة مثلما حدث للزواحف
الضخمة كالديناصورات والثدييات الضخمة كالماموث .مما يؤكد أن البقاء ليس
للأقوى، ولكن البقاء للأصلح، و هو الأكثر توائما مع ظروف البيئة. ومما
يدلنا على وجود هذه الكائنات التى انقرضت ما تركته هذه الكائنات من آثار أو
بقاياها فى الصخور وهو ما يسمى بالحفريات.
فالتطور عملية
ليست حتمية ميكانيكية تحدث من مرحلة لمرحلة لكل الكائنات الحية، كما يظن أو
يدعى البعض، من رافضى نظرية التطور، فيتوقعون وفق رؤيتهم الساذجة أن كل
بكتيريا لابد، و أن تتحول يوما لإنسان، أو أن نتصور القرود، وقد تطورت كلها
لبشر مثلا، فمازالت المملكتين الحيوانية والنباتية تزخر بمئات الأنواع
التى لم يجر عليها أى تطور منذ مئات الملايين السنين، والتى مازلت تعيش على
الأرض، كونها متكيفة تماما مع بيئتها، و لم يحدث أى تغير فى البيئة يدفعها
للتطور، وتنقرض مئات الأنواع من الكائنات الحية أمام أعيننا لأنها أصبحت
تواجه صعوبات للتكيف مع البيئة المتغيرة ، وتظهر أمام أعيننا أنواع جديدة
من الكائنات الحية أكثر توائما مع البيئة.
و قد يحدث التطور بتراكم
التغيرات من جيل إلى آخر على نحو غير ملحوظ إلى أن يتحول هذا التغير الكمى
غير الملحوظ، لتغير كيفى من كائن حى لكائن آخر، فيظل يخف وجود الشعر من على
الجلد تدريجيا من جيل الأباء إلى جيل الأبناء، حتى يظهر جيل يخلوا تماما
من الشعر على جلده. وقد يحدث التطور بأن تظهر طفرات وراثية فى أحد الأفراد
فجأة يكون أكثر تكيفا مع البيئة ، فأسلاف الزراف الحالى و كانوا قصيرى
الرقبة تواجدوا فى بيئة أصبح الوصول فيها للطعام أصعب كلما اقتربوا من
الأرض ، فظهرت لدى بعضهم رقاب أطول نتيجة الطفرة الوراثية أعطتهم القدرة
على الوصول لأوراق الشجر بدرجة أكفأ من قصيرى الرقبة الذين لم يتمكنوا من
الوصول للطعام بنفس كفاءة طويلى الرقبة، وهؤلاء كانت فرصهم فى البقاء أعلى،
وفرصهم فى توريث صفاتهم الوراثية أكثر فانقرض أسلاف الزراف قصيرى الرقبة،
وبقى الزراف الحالى طويل الرقبة، ومن ثم يكون الأكثر قدرة على البقاء فى ظل
ظروف البيئة الجديدة، يكون الأقدر على توريث هذه الصفة للأجيال اللاحقة،
فى حين ينقرض من لا يحمل هذه الصفة الوراثية الجديدة، لأنه أقل تكيفا مع
ظروف البيئة، ومن ثم لن تنتقل صفاته القديمة للأجيال اللاحقة.
ربما
نرى فى أنفسنا أفضل الحيوانات وأرقاها، و هذا صحيح فيما يتعلق بما نتميز
به فعلا عن باقى الكائنات الحية، وهو الذكاء ومهارات اليد و اكتمال الرؤية
وغيرها،إلا أننا نفتقد الكثير من القدرات الأخرى أو لا نملك منها بأكثر مما
هم أدنى فى التطور، فنحن لسنا فى سرعة الفهود، ولا قوة نظرنا كالصقور، و
لانستطيع الشم كالكلاب .. ذلك لأن التطور لا يسير لكل الكائنات الحية كما
يفهمه البعض نحو النموذج الإنسانى العاقل باعتباره الأرقى من بين الكائنات
الحية،ببساطة لأن الإنسان ليس الأفضل بين الكائنات الحية فى كل الصفات،
فهناك من هم أفضل منه فى كثير من الصفات، فالتطور يسير نحو امتلاك وسائل
للبقاء أكثر توائما مع البيئة، وليس لتحقيق نموذج ما من الكائنات، ومن هنا
تطورت لدى أسلاف الفهد إمكانيات جسدية منحتهم تلك السرعة الخارقة للوصول
للفرائس والانقضاض عليها ،كما تطورت لدى أسلاف الصقور حدة النظر ليروا
فرائسهم من فوق السحاب، و تطورت لدى أسلاف الكلاب حدة الشم ليتعرفوا على
فرائسهم من عدة أميال،أما أسلافنا من الذين لم يملكوا تلك الإمكانيات فقد
تطوروا من أجل التكيف مع البيئة، ولكنهم بدلا من امتلاكهم القوة البدنية
والسرعة و حدة الحواس و غيرها، أخذوا يملكون مهارات ذكاء أعلى مكنتهم من
السيطرة على من هم أقوى منهم جسديا حتى استأنسوا بعضهم كالثيران والكلاب،
وكان هذا هو الطريق الذى سار فيه أسلاف البشر حتى وصلوا للإنسان العاقل.
كان
من نتيجة التطور بالطريقة سالفة الذكر أن وصلت الحياة إلى هذا القدر
العالى من التنوع ، من نباتات وحيوانات وحيدة الخلية و نباتات وحيوانات
متعددة الخلية .. ونباتات متعددة الخلية زهرية و لا زهرية ، وحيوانات
متعددة الخلية فقارية و لا فقارية، و تنوع كل هذه الكائنات الموجودة على
الأرض حاليا وصل إلى أكثر من مليون ونصف مليون من أنواع الحيوانات ، و أكثر
من مليون من أنواع النباتات ، إلا أن هناك ملايين الأنواع الأخرى قد
انقرضت مع الزمن لكن بعضها النادر كون حفريات تدل على أنها كانت موجودة فى
أزمنة سابقة، و يقف على قمة المملكة الحيوانية الجنس البشرى باعتباره نوع
من الرئيسيات المكونة من القردة والقردة العليا والبشر ، وأخيراً فان
الانسان العاقل المعاصر هو أرقى أنواع الجنس البشرى .
توصل
العلماء إلى أن أول خلية حية ظهرت على الأرض ترجع إلى حوالى 3.5-4 مليار
سنة وهى خلية البكتيريا الأولية، و لا يحتوى هذا النوع من الخلايا على نواة
حقيقية ، وبالتالى فهى تنقسم انقسام مباشر. ويرجع تاريخ أول خلية حقيقية
النواة و تنقسم بالطرق سالفة الذكر إلى حوالى مليار سنة ثم تطورت الحياة
الى كائنات متعددة الخلايا منذ 700 مليون سنة تقريبا، و أمثلتها الديدان
والمفصليات والحشرات والعناكب، ويرجع ظهور الكائنات ذات العمود الفقرى أى
الفقاريات إلى حوالى 450 مليون سنـة وكان أول ما ظهر منها الأسماك، ثم ظهرت
البرمائيات ومن أمثلتها الضفادع من 400 مليون سنة تقريبا، وظهرت الزواحف
من 350 مليـون سنة ومن أمثلتها التماسيح والسلاحف، ثم ظهرت الطيور متطورة
عن الزواحف، ثم الثدييـات التى تبيض متطورة عن الزواحف أيضا من 240 مليون
سنة، ثم الثدييـات ذات المشيمة ( التي تلد ) من الثدييـات التى تبيض منذ
مئتى مليون سنة . ثم الثدييات الراقية مثل القردة بكافة أنواعها فقد ظهرت
من 100 مليون سنة، ثم ظهر البشر أشباه الإنسان من 6 مليون سنة تقريباً، ثم
الإنسان العاقل منذ نحو 25 ألف عام تقريبا.
هذا ملخص موجز للغاية
للتفسيرات العلمية لكيفية نشوء الحياة وارتقاءها، ، أما الأهم فهو ان وصول
الحياة إلى هذا القدر من التعقد والانتظام الدقيق لم ينشأ فجأة، أو كيفما
اتفق ، وإنما عبر عمليات طبيعية تماما ، وعبر الملائمة والتكيف مع الظروف
المتغيرة للبيئة ، والانتخاب الطبيعى و الطفرات التى تحدث فى العوامل
الوراثية التى تنقل الصفات الوراثية. وتراكم التغيرات الطفيفة عبر الزمن من
جيل لآخر و التى تنتقل عبر الوراثة من جيل لجيل.
و بشكل عام يؤدي
التطور لظهور ميزات جديدة و متجددة من جيل لآخر ، تؤدي في النهاية إلى
تغيير و تحسين كافة مواصفات النوع قيد التطور مما يؤدي إلى نشوء نوع جديد
من الكائنات الحية .
الانتخاب الطبيعي هو عملية او آلية تقوم بتأثيرها
على التنوع الجيني المتشكل عن طريق الطفرات الوراثية ، و إعادة تركيب
الجينات و توريث الجينات ، لذا يعتبر الانتخاب الطبيعي عملية يتم بها بقاء و
نجاة الأفراد ذوي الميزات الأفضل للحياة و بالتالي التكاثر . إذا كانت هذه
الميزات قابلة للتوريث فإنها ستنتقل إلى الأجيال اللاحقة ، مما ينتج ان
الميزات الأكثر نفعا و صلاحية للبقاء تصبح أكثر شيوعا في الأجيال اللاحقة .
فبإعطاء وقت كاف ، يمكن أن تنتج هذه العملية العفوية تلاؤمات متنوعة مع
تغيرات الظروف البيئية.
الفهم العلمى الحديث لظاهرة الحياة على الأرض
يعتمد على نظرية الانتخاب الطبيعي ، و تشكل كل من نظرية الانتخاب الطبيعي و
نظرية الوراثة ما يدعى بالعلم التطوري الحديث ، و يصف التطور كتغير في
تكرار و توافر المورثات ضمن مجموعة حيوية من جيل إلى الجيل الذي يليه . هذه
النظرية سرعان ما أصبحت المبدأ المركزي المنظم للعلوم الحيوية الحديثة
سواء النظرية كالحيوان والنبات أوالعملية كالطب والزراعة، بسبب قدرتها على
تفسير كافة ظواهر الحياة و قدرتها التنبؤية العالية بما يمكن أن يحدث ، كما
أنها تستخدم عمليا فيما يسمى الانتخاب الصناعى،فى النباتات والحيوانات.
ويمكن
للعلماء مراقبة التطور وعمليات الانتخاب الطبيعى بمراقبة الكائنات الحية
المتميزة بقصر العمر مما يمكن العلماء من ملاحظة التغيرات التى تحدث لها مع
تغير ظروف البيئة ،وكيفية تلائمها مع ظروف البيئة المتغيرة، وتستخدم
فرضيات التطور والوراثة فى دراسة أصل مقاومة المضادات الحيوية في الجراثيم ،
ومقاومة الحشرات للمبيدات ، و التنوع في النظام البيئي للأرض .
مع أن
هناك إجماع علمي حول صحة نظرية التطور لتوافر الأدلة التجريبية والملموسة
عليها ، و لتطبيقاتها العملية الكثيرة ، و قدرتها التفسيرية لمظاهر الحياة،
و قدرتها التنبؤية العالية لأصول الأجناس، و الأنواع الحية ، فإن هذه
النظرية تبقى محل صراع اجتماعى حول مفاهيمها بعكس أى نظرية علمية أخرى، حيث
ينكر البعض صحتها بسبب اختلافها مع الرؤى الدينية حول نظرية الخلق الإلهى
للكائنات الحية، واصطدامها مع ما تنص عليه الكتب المقدسة من قصص للخلق.
ويحاول المؤمنون بصحة روايات تلك الكتب تقديم رؤية بديلة عن نظرية التطور
للتلاؤم مع معتقداتهم الدينية، وفى هذا الإطار تم وضع نظرية التصميم الذكي
.. و هو المفهوم الذي يشير إلى أن "بعض الميزات في الكون
والكائنات الحية لا يمكن تفسيرها إلا بسبب مصمم ذكي، وليس بسبب غير موجه
كالانتخاب الطبيعي الذى تطرحه نظرية التطور .و يقول مؤيدو تلك النظرية ، إن
التصميم الذكي هو نظرية علمية تقف على قدم المساواة أو تتفوق على النظريات
الحالية التي تتعلق بالتطور وأصل الحياة
وفى نفس الوقت تنظر الأغلبية
الساحقة من المجتمع العلمي إلى نظرية التصميم الذكي كنظرية غير علمية، و
تعتبرها علم زائف أو علم تافه . حيث صرّحت الأكاديمية الأمريكية القومية
للعلوم مؤخرا بأن التصميم الذكي والادعاءات التي تخص الإنشاء الخارق
للطبيعة والكائنات الحية، ليست علماً بسبب عدم إمكانية اختبارها بالتجربة
لإثبات صحتها أو عدم صحتها، ولأنها لا تعطي أية توقعات و لا تساعد على أى
تنبؤات، ولا تقترح أية فرضيات خاصة بها ، يمكن البرهنة علي صحتها أو دحضها.
وعلى العكس ففى حين تفتقد نظريات الخلق الخاص والتصميم الذكى للبراهين
العلمية نظريا وعمليا، تمتلىء جعبة أنصار التطور بالبراهين النظرية
والعملية التى تدعمها الممارسة العملية