هذه الدنيا مثل رجل نائم، رأى في منامه شيئا يكره وشيئا يحب،
فبينما هو كذلك إذ انتبه واستيقظ من نومه.
فهذه الدنيا من أولها الى آخرها، إنما هي لحظات قصيرة زائلة
وستصبح يوما ما ذكريات وأخبارا يقال فيها:
كان في يوم ما عالم يسمى الدنيا، وكان فيها ناس:
- فمنهم من ظنها دائمة، فبناها، وزينها، وبالغ في إصلاحها، ثم تركها ومضى
إلى عالم آخر، نادما، لما رأى الناس قد أخذوا مكانهم في الجنة وليس له فيها
مكان.
- ومنهم - - علم أنها زائلة غير باقية، وأنه فيها على سفر، والمسافر لايحمل
إلا ماخف وغلى، فاقتصد وتقلل منها وترك ما لايحتاج، وعمل على تزيين داره
في الجنة وبناء القصور بالعمل الصالح، فلما أتاها فإذا هي عامرة، وسكانها
من الولدان والحور، ينتظرونه بفارغ الصبر، وقد هيئت له، وتزينت، فحمدالله
على الفوز والنجاة.
- كل شيءاقترب من نهايته زاد في سرعته، رغبة في قضاء مهمته..
المسافر إذا اقترب من دياره وأهله زاد في سيره شوقا وطلبا للراحة، فإن رؤية
ديار الأحباب تزيد في العزيمة وتبث القوة من جديد، وهذه الأيام تبلغ بنا
نهاية دنيانا، فهي تزداد جريانا بأمرالله، كي تحملنا إلى عالم آخر،
فهل نحن منتبهون لهذا الأمر؟.
إن هذه الأيام هي أعمارنا، فكلما مضى يوم نقص من أعمارنا يوم، فكل يوم يأكل
وينقص جزءا من أعمارنا، فإذا كانت الأيام تمضي سريعا فمعنى ذلك أن
أعمارنا تنقضي سريعا، وأن حياتنا في هذه الدنيا تقترب من نهايتها سريعا.
إن الله تعالى خلق الانسان يكدح ويسعى ليلقى ربه:
{ يا أيها الانسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه }.
أنت أيها الإنسان! تكد وتعمل لتلاقي ربك، تسعى وتجري إليه لامفر من لقائه،
ولامهرب وملجأ منه إلا إليه..
المؤمن لا يقلقه سرعة أيام الدنيا، وإنما يحزن على أيام لايعبد الله فيها،
وإذا تمنى طول العمر فإنما يتمناه لأجل الطاعة قال معاذ لما حضرته الوفاة :
" اللهم! إنك تعلم أني لم أحب البقاء في الدنيا، إلا لظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، ومزاحمة العلماء بالركب"..
اسال الله العلي العظيم ان لا يجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا
الى النار مصيرنا وان يجعل همنا الاخرة ويوم ان نلقاه حتى تنشط نفوسنا
لطاعته شوقا لرؤية وجهه الكريم انه ولي ذلك والقادر عليه اميييين يارب
العالمين